القدس المحتلة - خاص صفا
لا تُفوت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أي فرصة إلا وتستغلها من أجل بسط سيطرتها وسيادتها على المسجد الأقصى المبارك، تمهيدًا لتهويده وبناء "الهيكل" المزعوم مكانه.
وبحجة "حالة الطوارئ والأوضاع الأمنية"، يواصل الاحتلال إغلاق المسجد الأقصى لليوم السادس على التوالي، ويمنع وصول المصلين إليه، وحتى سكان البلدة القديمة في القدس المحتلة، في ظل استمرار الهجوم الإسرائيلي على إيران.
وباتت ساحات الأقصى ومصلياته فارغة تمامًا من المصلين، بعد أن أُوصدت أبوابه كافة في وجوههم، باستثناء السماح لموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية بالدخول إلى المسجد.
وهذه هي المرة الأولى التي يغلق فيها الاحتلال المسجد الأقصى تعسفًا منذ جائحة "كورونا"، ما اعتبره المقدسيون تجاوزًا وخطوة خطيرة لتغيير الواقع الديني في أخطر مراحل التهويد.
وحوّل الاحتلال شوارع البلدة القديمة إلى مناطق مهجورة، بعد إغلاق مداخلها ومنع دخول المقدسيين إليها، إلا لسكانها فقط، ضمن إجراءات مشددة، تسببت بحدوث ركود تجاري، وتراجع الحركة الشرائية، بعدما أجبرت عشرات المحلات التجارية على الإغلاق، بفعل الحصار المشدد.
وفرضت قوات الاحتلال إجراءات مشددة على المدينة المقدسة، ولا سيما في محيط بلدتها القديمة، وأغلقت الطرق والمحال التجارية، وعززت حواحزها العسكرية في المدينة، ونصبت بوابات حديدية جديدة، من بينها بوابتان عند مداخل بلدة حزما، لتقييد حركة السكان.
ورغم الإغلاق المتواصل، إلا أن الاحتلال سمح للمستوطنين المتطرفين بإقامة طقوس دينية قرب المسجد الأقصى، كما نفخ حاخامات وجنود إسرائيليون في البوق الليلة الماضية، أسفل المسجد، عند الزاوية الشمالية‑الشرقية لساحة حائط البراق.
تهويد الأقصى
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي يقول: "لا شك أن الاحتلال يستغل كل فرصة لتهويد المسجد الأقصى وتغيير الواقع الديني والقانوني فيه، سواءً من خلال إغلاقه أو منع دخول المصلين إليه والصلاة فيه".
ويضيف الهدمي في حديث لوكالة "صفا"، أن "هذه الإجراءات تدلل على مدى أهمية مشروع تهويد الأقصى ومركزيته لدى حكومة الاحتلال، حيث لاحظنا منذ بداية الحرب الإسرائيلية على إيران، كيف عملت على إغلاق الأقصى ومنع دخول المسلمين إليه".
ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة، عمّل الاحتلال على حدوث تغييرات كبيرة بالنسبة لصلاة المسلمين في الأقصى، وكيف أنه طبّق الإرهاب والتوتر على أهل القدس، مع تحديد إجراءات جديدة بشأن دخول المسجد، وإبعاد أعداد كثيرة عنه. وفق الهدمي
ويؤكد أن المسجد الأقصى هو عنوان "سيادة وسيطرة"، والاحتلال يرد على معركة "طوفان الأقصى" بتغيير الواقع القانوني والديني القائم فيه، كونها جاءت ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد المبارك.
ويتابع "نحن نعي تمامًا أن الاحتلال يسعى لإظهار سيادته وسيطرته على الأقصى، كأحد إنجازات حربه على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، واليوم يستغل كذلك، الحرب على إيران بمنع دخول المسلمين للمسجد منذ يوم الجمعة الماضي".
إجراءات عنصرية
والمتجول في مدينة القدس يُشاهد حجم الإجراءات الاحتلالية بحق الفلسطينيين، والإغلاقات والحواجز العسكرية، والتي تعيق حركة التنقل وتنغص حياتهم وتفاقم من معاناتهم، ووصولهم إلى المستشفيات والمراكز الصحية وأماكن عملهم.
ويرى الهدمي أن هذه الإجراءات الممنهجة تُعبر عن عنجهية الاحتلال وعنصريته تجاه المقدسيين والفلسطينيين، وتعديه على حرية العبادة، وعدم اعترافه بحقهم الطبيعي في حرية الحركة والتنقل من مدينة إلى أخرى.
ويوضح أن سلطات الاحتلال نفذت إجراءات عقابية بحق بعض الأحياء المقدسية التي خرجت احتفالًا بسقوط الصواريخ الإيرانية على الكيان الإسرائيلي، وتحديدًا بلدة الطور، وإغلاق شوارع في حي واد الجوز، وبلدتي العيسوية وعناتا وغيرها.
ويتساءل"أمة لم تتحرك لأكثر من 50 ألف شهيد وأكثر من 110 آلاف جريح ومفقود، وللدمار الهائل في غزة، هل ستتحرك لهدم المسجد الأقصى وتقسيمه مكانيًا وزمانيًا وبناء هيكل مزعوم مكانه أو كنيس بداخله؟".
ويقول: إن "المسجد الأقصى يواجه مستقبلًا قاتمًا مخيفًا وأسودًا إذا ما بقيت الأمة في سبات عميق، فإن الاحتلال سيتجرأ أكثر وأكثر في الاعتداء عليه، كونه يُشاهد أمة ميتة ليس فيها أخوة المعتصم".
"عزلة وسيادة"
وأما المختص في شؤون القدس زياد إبحيص يقول: إن "استهداف المسجد الأقصى يقع في قلب العدوان على إيران منذ اللحظة الأولى، إذ طردت شرطة الاحتلال المصلين منه فجر الجمعة ومنعت الصلاة وأغلقته أمامهم لستة أيامٍ حتى الآن تكريسًا لعزلته، وللسيادة الصهيونية عليه، باعتباره خاضعًا تمامًا لإرادة الحكومة الصهيونية لا ينازعها فيه أحد".
ويضيف "اليوم وبالتزامن مع انطلاق العدوان على إيران، يدخل التحكم بفتح الأقصى وإغلاقه مرحلة جديدة لم يشهدها في أي حرب أو انتفاضة سابقة، وهي الإغلاق الشامل للمسجد في وجه المصلين، والسماح فقط بدخول الموظفين والحراس المناوبين، ومنع غير المناوبين، بما يجعل عدد المتواجدين فيه لا يزيد عن 60 شخصًا في اللحظة الواحدة".
ويتابع أن "التحكم المطلق بإغلاق الأقصى في العقل الصهيوني يعني اكتمال مرحلة المنع والعزل عن المصلين والمرابطين، وبالتالي يفتح أبواب مرحلة جديدة هي التأسيس، وهذا يفرض محاولة منع اكتمال هذه المرحلة بكل جهدٍ ممكن، لأن الصمت على طيّ هذه المرحلة سيعني من الآن فصاعدًا أن أنظار المحتل ستتجه إلى كيفية فرض حضور تهويدي دائم في المسجد".
ويشير إلى أنه سبق وأن طُرحت في ذلك مبادرات عديدة عنوانها بناء كنيس دائم في الساحة الشرقية للأقصى، إلى جانب عناوين أخرى تستكشف إمكانات تغيير هوية المسجد، قد تدخل حيز التنفيذ، إن استمر الصمت المطبق في مواجهة هذا الإغلاق والتغول.
ويؤكد أن "التحكم بقرار فتح الأقصى هو إعلان سيادة بالنسبة للاحتلال، وتكريس لحقيقةٍ يريد فرضها بأنه هو من يدير المسجد وصاحب القرار الحصري في كل شؤونه، وهو من يقرر من يصلي فيه وكيف ومتى يصلي".
ر ش