منذ ما يقرب الشهرين، لم تلمس ذرات السكر ألسنة أطفال أبو رائد البحري، وحُرموا أن يحتسوا كأسًا من الشاي في صباحاتهم، فكيف بقطعة من الحلوى، ذلك لأن ملعقة السكر أصبحت مفقودة، وإن توفر فثمنه يساوي الذهب.
وفُقد السكر من أسواق قطاع غزة منذ أشهر، بسبب إغلاق المعابر، وتتوفر منه كميات زهيدة جدًا، منذ بدء العمل بالآلية الاسرائيلية الجديدة لتوزيع المساعدات، الشهر الماضي، ولكن بأسعار غير مقبولة.
ويصل سعر كيلو السكر-إن توفر- لـ100 دولار، وهو ما اضطر بعض الغزيين، على شرائه بالملعقة.
"حلم" كوب الشاي
ويقول البحري لوكالة "صفا" إن "الطحين والسكّر والملح، هم الحياة في البيت، فأما الطحين فنوفره غصبًا وبطلوع الروح".
ويضيف نافيًا قدرته على جنون الأسعار "السكر لا ولا يمكن أن نوفر منه حتى الوقية، فما بالك بالكيلو وسعره 380 و400 شيقل وصل".
ومؤشرًا على إبريق الشاي المطلي بدخان النار الأسود، يقول "من شهور هذا الإبريق مركون، أولادي نفسهم في كوب شاي لو مرة في الأسبوع، يعني صار حلم".
ويتابع "الواحد منا عاجز عن ملاحقة ما يجري"، قاصدًا الغلاء وانقطاع المواد التموينية، والفوضى التي اختلقها جيش الاحتلال في آليته بتوزيع المساعدات.
ويتعمد جيش الاحتلال استدعاء المجوّعين لنقاط التوزيع يوميًا، ويقوم بإطلاق النار بشكل عشوائي أثناء توزيع المساعدات أو قبلها، مرتكبًا مجازر يومية، بحق العشرات.
ويعاني قطاع غزة من مجاعة متفشية، نتيجة استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار من قبل "اسرائيل"، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والوقود منذ شهرين ونصف، مع العلم أن القطاع عانى من هذه الأزمة لأكثر من عام، قبل اتفاق وقف إطلاق النار بيناير المنصرم، الذي انقلبت عليه.
واشتدت المجاعة مع إعلان برنامج الأغذية العالمي، ووكالة الغوث "أونروا" نفاد مخزون الدقيق، ويعيش القطاع مرحلة شديدة الخطورة من المجاعة، التي راح ضحيتها ما يزيد عن العشرات من الشهداء.
ولم تفض آلية توزيع المساعدات الاسرائيلية الجديدة التي تتم عبر ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" الأمريكية، إلا للمزيد من الفوضى والتجويع، بل وإعدام العشرات ممن يذهبون يوميًا للحصول على الغذاء، على يد جيش الاحتلال.
أسعار بأجندة الاحتلال
ويبدو أن هناك جهات تخدم الاحتلال، تحرك الأسعار في القطاع، وهي التي تفرضها بشكل عالي وموّحد، كما يقول النازح بمواصي القرارة محمد أبو يونس.
وبغضب يضيف لوكالة "صفا"، "لا السكر ولا الطحين ولا الزيت ولا حتى الرز بمقدرتنا شرائه".
ويصف حال الأسواق والبسطات من حوله "هؤلاء جميعًا موحدين على سعر السكر، كل يوم سعر، وممكن في اليوم يغيروا السعر مرتين لثلاثة"، مشيرًا لأصحاب البسطات.
ويتساءل "من العاقل الذي يجلب كيلو سكر من هذا التاجر أو ذاك، ويبيعه للناس بالمعلقة، والملعقة بعشرة شواقل، أي جنون هذا، وفي أي قاموس وقانون وشرع؟!".
ويتواصل ارتفاع أسعار المواد التموينية الأساسية في القطاع، بسبب سياسة الاحتلال التي ترمي لمنع وصول المساعدات للجهات المختصة، لئلا يتم توزيعها بالنظام والقوانين المعمول بها، وذلك ضمن سياسة هندسة التجويع ونشر الفوضى.
ويفيد المكتب الإعلامي الحكومي وكالة "صفا"، بأن الاحتلال يستخدم آليته الجديدة لتوزيع المساعدات، ليواصل التجويع وهندسة الفوضى، تزامنًا مع استمرار إغلاق المعابر لليوم 118 على التوالي.
ويقول إن الاحتلال يتعمد منع تأمين قوافل المساعدات التي تدخل القطاع، ويسهل وقوعها بين أيدي عصابات النهب والسرقة والقتل، التي تعمل وفق أجندته، بل ويقصف أي جهة عشائرية كانت أو أمنية، تحاول تأمين الشاحنات.
ويشدد على أن ما يجري من فوضى وارتفاع في الأسعار، تأتي ضمن جريمة مكتملة الأركان ضد أكثر من 2.4 مليون إنسان فلسطيني مجوّع في قطاع غزة.
ويرتكب الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، خلفت أكثر من 173 ألف مواطن بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.